اربيل تستضيف جماعة "أزاميل" في معرض للنحت المعاصر

09-10-2023
معد فياض
A+ A-
 
رووداو ديجيتال

جمعت عاصمة اقليم كوردستان، اربيل، اعمال 13 نحاتا عراقيا، ينتمون لجماعة (أزاميل- نحاتون عراقيون) في معرض فني اقيم على غاليري المركز الثقافي لجامعة جيهان، ضم 30 عملا نحتيا وخزفيا نفذت بمواد وقياسات مختلفة وتناولت مواضيع عديدة.
 
وتعد(أزاميل- نحاتون عراقيون) أحدث جماعة فنية تأسست في العراق، حيث  يقول الباحث الجمالي والناقد التشكيلي عباس جاور:"أزاميل، جماعة فنية أعلن عن تأسيسها في بغداد عام 2015 من قبل نخبة من النحاتين من أجيال ما بعد الستينيات في حركة الفن العراقي، وأقامت معارض داخل العراق وخارجه"، منبها الى ان جماعة أزاميل:"تسعى الى اعادة الصلة بفكرة الجماعة الفنية التي غابت عن المشهد التشكيلي منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، كما انها تحاول اعادة تعريف ابعاد هذا المفهوم الذي اقترن ببدايات الريادة الفنية الحديثة في العراق مع مطلع الخمسينيات من القرن الماضي وفق رؤية التنوع داخل الوحدة والتي يراد بها التعدد في الاساليب والتقنيات ضمن وحدة المدرك الجمالي المعاصر لتقديم خطاب بصري يرتقي الى مفاهيم العصر ومتغيراته التعبيرية والتكنولوجية..ولعل هذا الهدف يسمح بتحقيق التوازن في الرؤيا الفنية من خلال ثلاثة مستويات : الاسلوب الشخصي الذاتي، الاساليب المحلية، الاساليب(العولمية)".
 
جماعة أزاميل تأسست على يد الفنان النحات هيثم حسن المقيم في كندا مع عدد من النحاتين وهم كل من: نجم القيسي ورضا فرحان وحامد لطيف وعلوان العلوان وسمير حسن وطلال محمود وسعد الربيعي وفاضل وتوت وسميرة حبيب والناقد التشكيلي عباس جاور. حيث يجمعهم فن النحت، بالرغم من اختلاف اجيالهم الفنية واساليبهم.
 

في معرضهم الثالث، في غاليري جيهان، وشارك فيه كل من الخزاف أكرم ناجي وايهاب أحمد، برهان صابر، رضا فرحان، سميرة حبيب، عاتكة الخزرجي، علي الربيعي، محمود الكناني، مرتضى حداد، ناطق الآلوسي، نجم القيسي، وهيثم حسن، حيث عرضوا اعمالا نحتية وخزفية نفذت بأساليب ومواد مختلفة. فقد عرض الخزاف المبدع أكرم ناجي، والذي يتمتع بخبرة فنية طويلة وعميقة بفن الخزف الملون، 4 جداريات ومنحوتة حملت عنوان(تفاءل)، بينما اعادنا النحات ايهاب احمد الى تكوينات البورتريت، ومنحوتة لامرأة تحمل طفلها بعنوان(نازحة من بلادي) نفذت على خامة الفايبر كلاس.
 
منحوتات الفنان الكوردي برهان صابر، والمنفذة من خامة (سابير) شغلت مساحة واسعة بأعمال تعبيرية لوجوه تستطيل وتحدق بالمتلقي وبالتالي تجبرنا لان نحدق بها ونستكشفها عن كثب. وتعمد النحات صابر بعدم وضع عناوين لمجموعته  النحتية تاركا للمتلقي ان يفسر الاعمال كما يفهمها مستفزا الاسئلة والاجوبة ايضا في ذات المتلقي، فالعناوين غالبا ما تحدد الرؤية الموضوعية للعمل الفني. اشعرتنا اعمال النحات صابر بانها تتحرك معنا، تستطيل وتستقيم كانها مخلوقات اسطورية تنتمي للتعبيرية وبالتالي قدم تكوين جمالي تعايش مع الزائرين.
 

تبرز اعمال النحات المبدع ناطق الآلوسي، ترويض، واعتذار، المنفذة بواسطة البرونز لتعلن عن اسلوب حداثوي بالرغم من انها تنتمي الى المدرسة العراقية في النحت. عرف عن الآلوسي انه يعمل في مختبر نحتي حيث يكتشف الاشكال وينفذها من خلال التوصل لموضوع يبعث خطابا فكريا وجماليا في آن واحد تاركا تفسيره للمتلقي. اعتذار عبارة عن تكوين من شخصيتين، امرأة ورجل نفذا ياسلوب تعبيري وفكرته درامية متحركة اكثر منها جامدة، اما منحوتته (ترويض) فتتكون من ثور ومروضه، وهذا العمل ينتمي الى فكرة نصبية، وهكذا هي غالبية اعمال هذا النحات، منحوتات جاهزة لان تكون نصب توضع في الساحات العامة.
 
عمل  النحات محمد الكناني، قربان، المنفذ بواسطة البرونز بلون شذري، يبدو وكانه مصغر لنصب كبير ويتضمن حكاية تشرحها تفاصيل شخوص المنحوتة ذاتها، بينما ينتمي عمله الثاني (هور) الى الحياة العراقية في جنوب العراق وكأنه مستل من اسطورة كلكامش بتفسير تشكيلي جديد.
 
وعرض النحات فاضل وتوت منحوتتين نفذتا على مادة البرونز، صراع وتناص، يندرجان ايضا للفكرة النصبية من حيث التفاصيل والاسلوب. وتختلف اعمال عاتكة الخزرجي من حيث المادة المنفذة بها، طبيعية نباتية، والاسلوب والموضوع، وجهات نظر وشريك كوني، منحوتتين تنتميان الى البيئة، وبالرغم من بساطة المادة الا ان اسلوب التنفيذ معقدا للغاية.
 

النحات علي الربيعي يغير وظيفة(حائط العوينة) وهذا عنوان اعماله، والمنفذة  بمادة PVC، الى تكوين نحتي، معتمدا اسلوب التغريب المسرحي الذي ابتدعه الكاتب والمخرج المسرحي الالماني بريشت، وهو  ان المتلقي يرى هذا الحائط كل يوم ويمر من قربه لكنه لا يجذبه كون الذاكرة البصرية تعودت عليه، لكنه عندما يتحول الى عمل نحتي تتغير مهمته فكريا وبصريا ويشد انتباهك وتفكيرك. ويضعنا النحات رضا فرحان امام سؤال جمالي، مفاده الانسان ام الاطار، وماذا سيحدث لو تتداخل الاطار مع الشخص ذاته، وهذه رؤيته في منحوتته(المرأة والاطار) المنفذة بواسطة البرونز، وسيبقى السؤال معلنا طالما تنتظر المرأة خلاصها من الاطار، او الشباك، أو الباب، ومن الفراغ الذي يؤثث فضائها. وتنقلنا النحاتة سميرة حبيب الى منظور تجريدي بحت في العملين النحتيين (أفصاح)، المنفذان بخامة (رزن)، معتمدة اسلوبا حداثويا من حيث تجسيد شخوصها الملونة، وفي كلا العملين هناك شخص، امرأة او رجل، مستغرقا في انشغالاته مع ذاته.
 
النحات مرتضى حداد، يلوذ بالتاريخ، يستقدمه ويشتغل على شخوصه ليجعل منه معاشا ومعاصرا، في منحوتته(القادم من التاريخ)، برونز، نكون امام لقيا أثرية اكتسبت حداثويتها من خلال افكار النحات ذاته ورؤيته للتاريخ، اما منحوتته(تأكيد ظاهرة)، برونز، فهي في الواقع تكريسا لرؤيته لموضوع المنحوتة الاولى، هنا تبرز لنا شخوص سومرية متداخلة ، مع استخدام حروفي تكريسا لانتماء العمل ذاته لواقع معاصر.

 

 
النحات هيثم حسن، يستعير من نبات الصبار شكله ويمنحه تجسيدا انسانيا ليجعل من منحوتته(صبرك يا عراق)، لدائن، خطابا وطنيا، في مقاربة بين نبات الصبار والصبر ومعاناة المواطن العراقي، وفي اعتقادي ان عمله النحتي الاخر(مهاجر)، مواد مختلفة، اكثر حداثوية، حيث ينطلق الطائر من ركام قيوده لينطلق نحو الفضاء الرحب. ويعيدنا النحات نجم القيسي الى اسلوب النحت العراقي خاصة خلال السبعينيات، وبالتحديد الى اعمال النحات الراحل اسماعيل فتاح، وبالتحديد في منحوتته(أمرأة ورجل)، برونز، وهذا التناص او التأثر مشروع ومبرر، بل هو دلالة على استمرارية الابداع النحتي في العراق.
 
ينبه الناقد عباس جاور، الى" حداثة موضوعات ومعالجات وتنوع تقنيات عرض(أزاميل)، واعتمادها تنفيذ منحوتات وتكوينات نصبيه وتركيبية وتجميعية". موضحا ان "معرض (أزاميل) اليوم يضعنا وجها لوجه امام حدود تجليات المشروع الفني لأعضاء الجماعة، وطبيعة المقترحات الجمالية التي حرصوا على تبنيها بالتواصل والاستمرارية".
 
يذكر ان المعرض الاول لهذه الجماعة كان قد أقيم في كانون الاول عام 2016، في جمعية الفنانين التشكيليين بمقرها ببغداد وشارك فيه، اضافة الى اعضاء الجماعة التي تضم احد عشر نحاتا، ستة فنانين تمت استضافتهم ، وبمعدل عمل نحتي واحد لكل فنان، وكان بمثابة تحية لأستاذهم النحات صالح القرغولي. وجاء المعرض الثاني لجماعة أزاميل في صالة (كلمات للفنون) بمدينة اسطنبول في تموز 2018.
 

من الجدير بالذكر ان الحياة الثقافية في العراق، شهدت منذ بداية الاربعينيات تأسيس جماعات فنية تضم رسامين ونحاتين ومعماريين، غالبيتهم كانوا قد عادوا توا من دراستهم في اوروبا، فبعد عودة الفنان اكرم شكري عام 1931 من لندن الذي تشبع بفكرة العمل لتكوين جماعة فنية اسوة بالفنانين الاوربيين، وعمل على تنفيذ فكرة تأسيس "جمعية أصدقاء الفن"، والتي تأسست فعليا عام 1941 وضمت كل من: اكرم شكري وعيسى حنا وكريم مجيد. تبعها مبادرة الفنان حافظ الدروبي  بتأسيس المرسم الحر ببغداد عام 1942 وكانت اول بادرة لانشاء محترف فني يلتقي فيه نخبة من الفنانين.
 
الا ان "جماعة بغداد للفن الحديث" التي تأسست عام 1951 في بغداد، تعد الاكثر نضوجا وانجازا، وشكلها عدد  من رواد الفن العراقي ومن أبرزهم: شاكر حسن آل سعيد وجواد سليم، بعد عودته من لندن، ومحمد الحسني كما انضم لها نخبة من التشكيليين والمعماريين والفنانين العراقيين فيما بعد ومنهم الفنان محمد غني حكمت والرسامة نزيهة سليم وسرعان ما تحولت هذه الجماعة الى مركز تنويري فكري للفنانين العراقيين في عقدي الستينات والسبعينات من القرن العشرين، كما ساهمت في وضع لبنات جديدة إلى صرح الفن العراقي الحديث المعاصر. ثم تأسست عدد كبير من الجماعات الفنية حتى عقد الثمانينات من القرن الماضي، وكانت هذه الجماعات تتكون اما من رسامين فقط، مثل جماعة الاربعة التي ضمت: الراحل محمد صبري ، فاخر محمد ، عاصم الأمير ، حسن عبود ، أبان الثمانينيات من القرن المنصرم، او جماعات تضم رسامين ونحاتين وخزافين.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب