يعيدنا فيلم "بلفاست" الى ذات الاحداث التي جرت خلال سنوات الاقتتال الطائفي في العراق، خاصة الفترة ما بين 2005 وحتى 2007، وذلك من خلال توثيق درامي لأعمال الشغب التي وقعت في بلفاست، ايرلندا الشمالية، في أغسطس 1969، بين مجموعة من الموالين البروتستانت بمهاجمة منازل ومتاجر الكاثوليك والتي استمرت ثلاثة عقود.
الفيلم الذي كتبه الممثل والمخرج السينمائي كينيث براناه، والمنتج عام 2021، باعتباره سيرة ذاتية، حيث يأخذنا برناه إلى المدينة التي ولد فيها وشهدت طفولته من خلال فيلم "بلفاست"، والذي عرض لأول مرة في أوروبا خلال مهرجان لندن السينمائي عام 2021.
وحتى يعطي المخرج، انطباع السيرة الذاتية ويكون قريباً من فترة الأحداث تم تصويره بالابيض والاسود. وقال براناه "إنها قصة حدثت لي حقاً عندما كنت في التاسعة من عمري وغيرت حياتي إلى الأبد حين أثرت لحظة من التغيير العنيف على هويتي ومنزلي وعائلتي. وهذه قصة ذلك التغيير"، مضيفاً أن استرجاع الذكريات أثناء إنتاج الفيلم والترويج له "كان ولا يزال مؤثرا للغاية".
يتناول فيلم "بلفاست" في معظمه حياة الطفل بادي (جودي هل) البالغ من العمر تسع سنوات وأفراد عائلته الذين يقطنون حياً تسكنه الطبقة العاملة في شمال بلفاست، حيث يعيش البروتستانت والكاثوليك جنبا إلى جنب. تدور احداثه عام 1969 بالتزامن مع بداية الصراع الذي دام ثلاثة عقود في أيرلندا الشمالية. وتنتهي أيام طفولة بادي الخالية من الهموم على نحو مفاجئ عندما تأتي الاضطرابات وأعمال الشغب إلى باب منزله، لتهدد المشكلات المالية والصحية حياة أسرته الهادئة.
ومدينة بلفاست هي كل عالم بادي، لذلك فقد استبد به الرعب حينما فكر والداه، الأب با (جيمي دورنان) والأم ما (كاترينا بالف) في بداية جديدة في الخارج.وبينما تنقلب حياته رأساً على عقب يساعد جداه كراني (جودي دينش) وبوب (كيران هايندز) بدفئهما وذكائهما في الحفاظ على إحساسه بالحياة الطبيعية.
ويروي الفيلم حياة عائلة أولستر، بروتستانتية من الطبقة العاملة من وجهة نظر ابنهم بادي خلال الأضطرابات في بلفاست. يعمل با، والد بادي في الخارج في إنجلترا، بينما تعيش العائلة: ما، والدته، والأخ الأكبر ويل، والأجداد من الأب كراني وبوب ، في بلفاست.
خلال أعمال الشغب، قامت مجموعة من الموالين البروتستانت بمهاجمة منازل ومتاجر الكاثوليك في شارع بادي. أقام سكان الشارع حاجزًا لمنع المزيد من الصراع ويعود با إلى منزله من إنجلترا للاطمئنان على وضع الأسرة. تحضر الأسرة الكنيسة، حيث يلقي القس شوكة قاسية في خطاب الطريق، يتفاعل بادي مع الخطاب باستمرار طوال الفيلم، من جهة ويطور مشاعره تجاه زميلته المتفوقة كاثرين، وهي كاثوليكية، من جهة اخرى، ويصبحان أصدقاء في النهاية.
وكما في الأحداث الطائفية من هذا النوع، كاثوليك وبروتستانت، في ايرلندا، شيعة وسنة في العراق، مسلمون ومسيحيون في لبنان، السيخ والهندوس ضد المسلمين في الهند، تظهر شخصيات محرضة على صب الزيت على النار لاستمرار الاقتتال والاستفادة منه، وهنا يظهر بيلي كلانتون (كولن مورغان)، وهو مجرم محلي وطائفي ومثير للرعاع حيث يضغط على با، والد بادي، لتوريطه باعمال الشغب دفاعا عن الطائفة، وعندما يرفض با بشدة يتعامل معه كلانتون بعدوانية مهددا اياه بعائلته، وبالفعل يخطط لاختطاف بادي.
ترافق هذه الأحداث الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العائلة حيث تكافح لسداد فاتورة الضرائب المتراكمة. يحلم با بالهجرة إلى سيدني أو فانكوفر، وقد قوبل هذا الاحتمال بالضيق من زوجته ما. ومع ذلك، لم يعد بإمكانها إنكار خيار مغادرة بلفاست مع تفاقم الصراع في الوقت الذي يُعرض على با فرصة عمل وترقية في انجلترا مع سكن مريح لعائلته. وفي عيد الميلاد، يحاولون مناقشة الأمر مع الأولاد، لكن بادي ينهار عند فكرة المغادرة.
وسط تفاقم الأحداث الطائفية يتورط بادي مع ابنة عمه المراهقة مويرا(لارا ماكدونل) التي اجبرته على الانتساب الى عصابة من المراهقين واليافعين، تابعين الى الطائفي اوليستر، بسرقة بعض قطع الشوكلاته من متجر محلي، وسرعان ما تتطور الأحداث خلال الهجوم على متجر كبير لنهبه، فيسرق بادي علبة كبيرة لمسحوق غسيل الملابس كان قد شاهد اعلان عنه في التلفزيون، لكن امه توبخه مع ابنة عمه وتعيد المسروقات الى المحل. واعمال النهب ملازمة للاحداث الطائفية في كل مكان.
تتم محاصرة كلانتون من قبل وحدات الجيش باعتباره محرض على اعمال الشغب والنهب، فيأخذ ما وابنها بادي كرهائن وومحاولة الهروب لكن با ورجال الامن يحاصروه لتحرير الرهائن وانهاء اعمال الشغب، ثم يتم القبض عليه على الفور ويقسم على الانتقام.
عندما أدركت العائلة أنهم لم يعودوا آمنين في بلفاست، قررت المغادرة إلى إنجلترا. يموت الجد بوب بعد فترة من المرض. قبل المغادرة، يودع بادي صديقته كاثرين. أعرب لاحقًا عن أسفه عما إذا كان بإمكانه متابعة المستقبل معها على الرغم من حقيقة أنها كاثوليكية وهو بروستانتي. يجيب والده أنه لا ينبغي أن يحدث أي فرق، وبينما كانت الجدة تراقب، استقلت العائلة الحافلة المتوجهة إلى المطار.
تم عرض فيلم "بلفاست" لأول مرة عالميا في مهرجان تيلورايد السينمائي الثامن والأربعين في 2 سبتمبر 2021، وبعد ذلك بوقت قصير، فاز بجائزة اختيار الجمهور في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي لعام 2021. وحصل على سبعة ترشيحات في حفل توزيع جوائز الأوسكار الرابع والتسعين، بما في ذلك أفضل فيلم، الحائز على أفضل سيناريو أصلي. تم اختياره كأحد أفضل الأفلام لعام 2021 من قبل المجلس الوطني للمراجعة وتعادل مع الفيلم الاميركي" قوة الكلب" لسبعة ترشيحات رائدة في حفل توزيع جوائز جولدن جلوب التاسع والسبعين، بما في ذلك أفضل فيلم سينمائي - دراما، وفاز بجائزة أفضل سيناريو، كما تلقى ستة ترشيحات في حفل توزيع جوائز الأكاديمية البريطانية للأفلام الخامس والسبعين، الحائز على الفيلم البريطاني المتميز.
ويعد مخرج الفيلم، كينيث براناه، الكاتب والمخرج والمنتج والممثل، المعروف بلقب سير كينيث براناه، الحاصل على جائزة أوسكار لأفضل سيناريو أصلي و جائزة إيمي ستار لأفضل ممثل، من أبرز نجوم السينما والمسرح البريطانيين الذين يشاركون في أعمال دولية تمثيلاً واخراجاً. وتعد أعماله نخبة من الأفلام الكلاسيكية والعاطفية والبوليسية والأسطورية والخاصة بالصغار. كما انه مثّل في أحد أجزاء مجموعة أفلام "هاري بوتر" وهو "هاري بوتر وغرفة الأسرار"، من إخراج كريس كولومبوس.تدرب في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية بلندن. وشغل لاحقا منصب رئيسها خلفا لريتشارد أتينبورو.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً