الفيلم المغربي "علّي صوتك"..تحريض على تحدي الارهاب بالموسيقى

07-06-2023
معد فياض
A+ A-

معد فياض

في فيلم "علّي صوتك"، المعروض حالياً على منصة نتفليكس، والذي اختار له المخرج عنوانين آخرين، باللغتين الفرنسية والإنكليزية، من أجل العروض الدولية Haut et fort ، وCasablanca beats، يعود المخرج نبيل عيوش الذي كتب سيناريو الفيلم بالتعاون مع زوجته المخرجة والممثلة مريم توزاني، من جديد، إلى حي (سيدي مؤمن) في الدار البيضاء(كازا بلانكا)، ليناقش قضايا تهم قاع المجتمع المغربي وبجرأة واضحة وابرزها التطرف الديني ومحاولة الوقوف بوجه الاسلاميين الراديكاليين عن طريق الفن. فمن هذا الحي خرجت مجموعة من الانتحاريين الذين نفّذوا العمليات الإرهابية التي عرفتها العاصمة الاقتصادية في المغرب، في 16 أيار 2003، والتي سبق للمخرج أن عمل عليها في فيلمه "يا خيل الله"، في عام 2012، المقتبس من رواية "نجوم سيدي مؤمن" للروائي ماحي بنبين.

 يستهل الفيلم بقيادة شاب لسيارته المتعبة وسط حي من العشوائيات، اذ تعرفنا الكاميرا ومن خلال لقطات عامة على حالة حي (سيدي مؤمن)، الفقير وهو يبحث عن مركز النجوم الثقافي، لنعرف لاحقا بان هذا الشاب هو أنس مغني راب سابق تم تعيينه توا معلمًا في المركز ثقافي المهتم بتنمية مواهب فتيان وشباب الحي من كلا الجنسين، هناك سيلتقي بمجموعة مراهقين يعيشون ظروفًا اقتصادية صعبة ويعانون من الحرمان والتهميش مع تشتت أفكارهم غير الناضجة، لكنهم بمساعدة المعلم الجديد يحاولون التعبير عن أنفسهم بموسيقى الهيب هوب او باسلوب الراب، وتحدي مشكلاتهم الاجتماعية بشكل مختلف.

لعب بطولة فيلم(علّي صوتك) أنس بسيوني(معلم الراب)، ومجموعة من المواهب الشابة تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عامًا، الى جانب مجموعة ديناميكية من الممثلين لأول مرة ، وكثير منهم طلاب في المركز الثقافي الواقعي، منهم:أسماعيل أدواب، مريم نقاش، نهيلة عارف، عبد الإله بسيوني، زينب بوجمعة ومهدي رزوق.

علينا ان ندرك مقدما بان فيلم "علّي صوتك"، يصنف ضمن الافلام الدرامية الموسيقية، وليس وثائقيا مثلما قد يعتقد البعض لقرب احداثه من الواقع، ولان المخرج نبيل عيوش توسع في استعراض تفاصيل حياة ابطاله ودخل الى ازقتهم الضيقة وبيوتهم الصغيرة وصور تفاصيل علاقات العائلة الواحدة فيما بين افرادها. وهو بذلك اظهر التناقضات بين افراد العائلة، فالفتاة المحجبة التي تتعلم الرقص التعبيري وغناء الراب تتعرض للضغوط من قبل شقيقها المتطرف بارائه الدينية الذي يريد اخضاعها لارادته لكنها تتمرد عليه باعتبار انها مستقلة بارائها واهداف حياتها. واسماعيل الذي يحلم بحياة مترفة بالكاد يجد مساحة في بيتهم لينام فيها..وهكذا اقترب اسلوب عيوش في بعض مشاهد الفيلم من السينما الوثائقية لا سيما وانه كان قد اخرج فيلما وثائقيا عن الحي نفسه. وفي هذا الصدد يقول المخرج وكاتب السيناريو:" ان فيلم (علّي صوتك)، هو مشروع سينمائي مستوحاة أحداثه بين الواقع والخيال. فانا حرصت على الدمج بين المشاهد الواقعية والخيالية بطريقة يصعب على المُشاهد الفصل بينهما، من خلال استخدام مشاهد درامية مع لحظات من النقاشات والحوارات مع مدرّس الهيب هوب، ولحظات من الرقص المعاصر. لقد أردت أنّ يظهر العمل وكأنني أصور يوميات هؤلاء الشباب الحقيقية".

موضحا  بأنّ "الفيلم مستوحى من قصتي وأنا صغير حيث ترعرعتُ في منطقة شعبية في ضواحي باريس، وكان للمركز الثقافي في المنطقة تأثير إيجابي على تذوقي للفن ونظرتي للأمور، هناك تفتحت عيوني على الفن وتعلمت الرقص والموسيقى". كما اعتمد المخرج على تجربته الخاصة في افتتاح مركز ثقافي للشباب في الدار البيضاء.



من هنا نجد المخرج عيوش في فيلمه "علّي صوتك" يكرس لفكرة تسليط الضوء على تفاصيل الحياة في الأحياء الفقيرة في بلاده، ويؤكد ايمانه بأن في تلك الأحياء مواهب كامنة يمكن الاعتناء بها ودعمها للتحول إلى طاقات إبداعية هائلة بدلًا من السقوط في الإحباط. والتطرف. 

انطلاقا من ذلك يعمل معلم الراب على حث طلبته للتعبير عن أنفسهم بحرية، بعيداً عن التابوهات الاجتماعية والدينية والسياسية كلها، وهم شباب ومراهقون، تتراوح أعمارهم بين 12 و18 سنة، ويعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة، وتشتتاً على مستوى الأفكار والرغبات، بسبب الأعراف والتقاليد المجتمعية التي تثقل كاهلهم، فتأتي الموسيقى في قالب فني رائع، لتكون الأداة المثلى لتحرر هؤلاء الفتوة، وانتفاضهم في وجه أي قمع أسري، أو مجتمعي، أو ديني، وكيفما كان، إذ لا صوت يعلو على صوت الحرية والكرامة، إلا صوت الموسيقى الحامل لهذا المبتغى الجميل، ولا تعارض بين الفن والثقافة والدين، كما قال نبيل عيوش نفسه، في اللقاء الذي تلا عرض فيلمه في العاصمة الرباط،: "التعارض موجود في ذهن المتعصبين والمتشددين فحسب، في حين أن المغرب بلد لتعايش الثقافات والفنون والديانات".



وسيعمل أنس على تشجيع طلابه على الارتباط معًا والتحرر من ثقل التقاليد المقيدة من أجل متابعة شغفهم والتعبير عن أنفسهم من خلال الفنون متحدين بصعوبة مجتمعهم من جهة والافكار التي تشبعوا بها والتفريق بين ما هو حرام وحلال، لكن المعلم ينجح في النهاية بان يدفع طلبته باطلاق افكارهم من خلال ادائهم لاغانيهم التي كتبوها بانفسهم ضمن موسيقى الهيب هوب النابضة بالحياة والملهمة القادمة مع ميزة نسوية بالتأكيد. و خلال المزج بين الدراما الحميمة.

وتصل الأحداث إلى ذروتها عندما يعتزم المعلم وبطلب من طلبته تنظيم حفل على مسرح المركز لتأكيد ثقتهم بانفسهم وبما انجزوه، لكن بعض سكان الحي من المتطرفين، يداهمون المكان وينهون الحفل بالقوة، فيجد المعلم نفسه مضطرًا للمغادرة حتى لا يُغلق المركز تماماً.

وفي معرض رده على سؤال حول الأداء "التلقائي" للشباب الممثلين في الفيلم، اوضح عيوش أنه إضافة إلى السيناريو المكتوب، "تركنا الباب مفتوحا للارتجال، بحيث لا نستشعر في أي لحظة ما إذا كان الأمر يتعلق بسيناريو مكتوب أو بمداخلات مرتجلة". وبخصوص مقطوعات الراب الواردة في الفيلم، قال "لم نشأ أن تكون هذه الأغاني من كلماتنا وإنما كلماتهم هم".

ورغم أن الفيلم يدور داخل مركز للمواهب وتعليم الفنون، فإنه لم يوظف الأغاني والرقصات بشكل مبالغ فيه، ليقتصر دورها على التعبير عن مواهب التلاميذ وتقلب أمزجتهم في البداية ثم استخدامها لاحقا في التعامل مع الضغوط المحيطة بهم ومواجهة العنف ضدهم بالفن.وحسب ايضاح المخرج فأنّ "الشباب في الفيلم يريدون التغيير ويبحثون عن مساحاتهم من خلال الكلمة واللغة والجسد. لذلك، نراهم في بعض المشاهد في الشوارع وهم يرقصون ويغنون في وجه المتطرفين ويواجهون العنف ونظرة المجتمع للفن والحريات".

وكشف المخرج نبيل عيوش في حوار كواليس تجربته مع فيلم "علّي صوتك"، موضحاً أنّ العمل استغرق نحو عامين من التحضيرات والبحث، ومقابلة الشباب في حي "سيدي مؤمن" في الدار البيضاء" والحديث معهم وتبادل الثقة فيما بينهم، قائلاً إنّ "الشباب هم أبطال الفيلم، وبالفعل هم أصحاب أغاني الفيلم وكتبوها بحرية وصدق" منبها الى ان: "الثقافة والفنون واحدة من الحلول الكبرى لمساعدة الشباب على تمكين أنفسهم وتحصينهم من أي نوع من التطرف والراديكالية لفتح الآفاق أمامهم واكتشاف أنفسهم والتخفيف عنهم".



يشار إلى أن فيلم " علّي صوتك " اختير للمشاركة في المسابقة الرسمية للدورة الـ74 لمهرجان كان السينمائي، في سابقة في تاريخ السينما المغربية. ونال الفيلم الذي كان من ضمن الأفلام المرشحة للفوز بالسعفة الذهبية، جائزة المهرجان للسينما الإيجابية. كما نال المخرج نبيل عيوش جائزة "أفضل إنجاز في السينما"عن مجموع مسيرته التي قدمتها له المنظمة الإنسانية "يونيون-لايف إنترناشيونال". وتوج الفيلم بجائزة أفضل موسيقى، الخاصة بالدورة 32 لأيام قرطاج السينمائية بتونس.

 

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب