رووداو ديجيتال
استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي في العراق، لازال يلقي بظلاله السلبية على الواقع الاقتصادي والموازنة في البلاد، والذي تعتمد خزينة العراق بشكل كبير فيه على الايرادات النفطية التي يتم تحويلها من قبل الولايات المتحدة الأميركية الى العراق بعملة الدولار، لكن بنسب مختلفة شهرياً تتناسب طردياً وفق العلاقة بين واشنطن وبغداد، والتي تتأثر وفق المستجدات الداخلية في العراق، والاقليمية في المنطقة.
الحكومة العراقية أعلنت في أوقات مختلفة، اتخاذ اجراءات للحد من تهريب الدولار الى الخارج، والذي يعد العامل الأساسي المتسبب برفع سعر صرف الدولار الى مستويات مرتفعة، لكن هذه الاجراءات لم تسهم بايقاف تغوّل الدولار امام الدينار العراقي، حيث وصل سعر صرف الدولار الاميركي صباح اليوم الاربعاء (8 تشرين الثاني 2023) الى 1630 ديناراً عراقياً، رغم ان سعر الصرف الرسمي الذي حددته حكومة محمد شياع السوداني مع بدء توليها مهامها هو 1320 ديناراً عراقياً.
بنك الاحتياط الفدرالي "البنك المركزي الأميركي" فرض إجراءات وتقييدات على الحوالات المالية الخارجية من العراق، لضمان عدم وصولها إلى طهران ودمشق، وفي محاولة منه للسيطرة على تهريب الدولار أصدر البنك المركزي جملة من الإجراءات التي لم يكن لها أثر في رفع قيمة الدينار أو الحد من الطلب الكبير على الدولار، ما أدى الى انعكاس سلبي لهذا الأمر على الحياة اليومية للمواطن العراقي.
أمام هذا الفارق بسعر الصرف بين الرسمي والمتداول في البورصات العراقية، باتت الحكومة مطالبة بوضع حد لما يجري، لاسيما أن سعر الصرف وصل الى مستويات بعيدة عما تعهدت به الحكومة العراقية فور توليها مهامها، حيث دعا في وقتها محمد شياع السوداني المواطنين العراقيين الى اقتناء الدينار لأنه "أقوى" من الدولار.
الحكومة تتدخل بذراعها التجاري
مستشار رئيس الوزراء العراقي للشؤون الاقتصادية مظهر محمد صالح، يقول لشبكة رووداو الاعلامية بهذا الصدد، إن "ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي أمر يقلق الجميع"، مبيناً أن "التحويلات الرسمية هي الأساس، ومنصة البنك المركزي تعمل بشكل صحيح وايجابي تحت شروط، منها ضرورة عدم وجود غسيل أموال او شبهات بتحويل الدولار الى الخارج، وهو بحد ذاته امتثال قوي".
ويرى مظهر محمد صالح أن "السوق الموازية والاضطرابات الحاصلة لا تشكل شيئاً، وهي لا تشكل أكثر من 10% من مبيعات البنك المركزي العراقي من الدولار الأميركي، والتي تستهدف بنسبة 85-90% منها السلع الأساسية واحتياجات السوق الى الدولار، لكنها مؤثرة بتقديري من ناحية الضوضاء التي أحدثتها على مجمل الاقتصاد".
ويشير مستشار رئيس الوزراء العراقي الى أن "أسباباً عديدة تقف وراء الطلب النقدي على عملة الدولار، منها شراء السلع، حيث يسحب السوق العملة باتجاه التجارة الحدودية وتجارات أخرى"، متسائلاً أن "الوضع الاقتصادي ووضع الاحتياطيات ووضع ميزان المدفوعات كله موجب، لكن لماذا هذه الحالة في ظل أن الوفرة موجودة؟".
يؤكد مظهر محمد صالح أن "الدولة يهمها استقرار الاسعار وأن تأخذ السلعة، لذلك فالدولة ستكون ذراعاً تجارياً في حال استمرت الأوضاع هكذا، حيث من الممكن ان تقوم الدولة بتوفير الكثير من السلع، كمفردات السلة الدوائية للعيادات الشعبية من خلال تجهيزها بأدوية الأمراض المزمنة على سبيل المثال، لاعانة الفقراء، وفتح عيادات مركزية بأسعار الصرف الرسمية".
من بين الاجراءات المرتقبة أيضاً، ان "يكون هنالك توجه مثلاً لتوفير مواد البناء الاساسية كالحديد والزجاج والالمنيوم المستوردة بأسعار صرف رسمية، وكذلك أن تكون هنالك سلة ساندة للغذاء واستيراد قطع غيار بأسعار مدعومة"، وفقاً لمظهر محمد صالح، الذي ينوه الى أن "التجارة الحكومية ليست عليها قيود، وأي مؤسسة حكومية بامكانها الاستيراد واجراءاتها سهلة، ما يدفع الى تدخل الدولة بشكل أكبر لفرض الانضباط في الحياة الاقتصادية اذا استمر الوضع بالشكل الحالي".
القطاع الخاص يحتاج يومياً لنحو 80 مليون دولار
بدوره، يقول عضو اتحاد رجال الاعمال ورئيس مجلس الاعمال العراقي السوري حسن الزيني، لشبكة رووداو الاعلامية ان "موضوع الدولار متشعب وليس سهلاً، وينبغي ضبط موضوع الدولار الذي يعد البنك المركزي العراقي مسؤولاً عنه"، مردفاً: "دخلنا في مطب ان الاميركان ربطوا العملة العراقية بالدولار، لذلك ليس من السهل التخلص من هذا الأمر في ظل ارتباط أرصدتنا وتعاملاتنا وثقافتنا المجتمعية بالدولار الأميركي".
ويضيف حسن الزيني: "تتحكم بنا بورصات شعبية يقيس الكل عليها الوضع الاقتصادي، لأنها مصدر سحب الدولار"، معتقداً أن "ايران ليست بحاجة الى الدولار من العراق، وما يقال عن التهريب الى ايران ليس صحيحاً، لانها هي من تريد حماية العراق، لذا فالأمر مرتبط بسياسة الولايات المتحدة الأميركية مع الحكومة العراقية الحالية".
بخصوص رفع التاجر اسعار سلعه بالتوازي مع سعر صرف الدولار، يوضح حسن الزيني أن "الأمر طبيعي، لأن التاجر لديه الخط الموازي والخط النظامي يعمل بهما من جانب سعر صرف الدولار الأميركي، لذا يقوم التاجر ببيع السلع وفق الأسعار التي تضمن له تحقيق هامش من الربح، لا أن يتحمل كل الخسارات".
عضو اتحاد رجال الاعمال، يرى أن "القطاع الخاص بحاجة الى نحو 80 مليون دولار للتداولات اليومية"، مؤكداً أن "السحوبات من سوريا وايران للدولار الأميركي من العراق ليست بذلك التأثير على رفع سعر الصرف لدينا داخل العراق"، منتقداً "الفساد المستشري في العراق، والذي يجب وضع حد له فيما يخص بيع الدولار من الحكومة".
وينوه الى أن "البنك المركزي يدفع شهرياً نحو 5 تريليونات دينار الى السوق في ظل الحاجة الى السيولة المالية، خصوصاً في ضوء تسلم نحو 9 ملايين عراقي رواتب كموظفين ومتقاعدين ورعاية اجتماعية وغيرهم"، مؤكداً: "لا نستطيع بيع نفطنا الا بالدولار، والولايات المتحدة مسيطرة عليه".
ويكشف حسن الزيني عن أن "هنالك نية لأن تقوم أميركا بتحويل الدولار من التجار العراقيين وتسليم البلد المراد تحويل الاموال اليه بعملتهم، وليس بالدولار، وبالتالي فان التاجر يتعرض الى خسارة"، لافتاً الى أن "التاجر حينما يتسم تسليم البلد المراد الاستيراد منه بعملتهم، سيتعرض الى خسارة فرق صرف العملة مع الدولار، مثلاً بعملة اليوان الصيني او الدرهم الاماراتي او اليورو الاوروبي وغيرها من العملات، وكل ذلك في سبيل عدم تهريب الدولار الى ايران او روسيا او سوريا، حسب اعتقاد الولايات المتحدة".
"سعر صرف الدولار يجب أن ينخفض لأقل من 1230 ديناراً"
من جانبه، يقول رئيس اتحاد رجال الاعمال في محافظة البصرة صبيح الهاشمي، لشبكة رووداو الاعلامية ان "تفاوت الاسعار بسعر صرف الدولار الأميركي له تأثيرات سلبية على الواقع الاقتصادي بشكل عام، وعلى رجال الاعمال بشكل خاص"، عازياً هذا الارتفاع الى "قلة الرقابة المالية ولجان الاختصاص في البنك المركزي والدوائر المالية وعدم ضبط اسواق سعر الصرف".
ويضيف صبيح الهاشمي ان هذا الموضوع من "مهام الحكومة المركزية التي يجب ان تتابعها بكل التفاصيل، كما يفترض ان يصل سعر صرف الدولار الى المستوى المطلوب وهو اقل من 1230 ديناراً"، مبيناً: "لدينا خزين مالي في البنك المركزي ورصيد جيد وعملة صعبة جيدة، ونحن مستقرون سياسياً، وهو من الممكن أن يؤدي الى رفع مستوى الدينار العراقي امام الدولار الأميركي".
ويؤكد أن "ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي له تأثيرات سلبية على رجال الاعمال، في ظل وجود هذه الارتباطات المالية بين المصرف الفيدرالي الاميركي والبنك المركزي العراقي، لذلك عندما تكون هنالك رقابة شديدة من قبل الجهات المعنية سينخفض سعر صرف الدولار الأميركي ونبدأ السيطرة على الارتفاع المتزايد الذي وصل الى مستويات غير منطقية".
رئيس اتحاد رجال الاعمال في محافظة البصرة، يضرب مثالاً على التأثير السلبي لفرق سعر صرف الدولار الاميركي على التجارة، بالقول: "مثلاً كانت هنالك مقاولة قبل عدة اشهر، ووقتها كان سعر الصرف يختلف عما هو عليه اليوم، وبالتالي سيؤثر الأمر على مدة التنفيذ أو كلفة انجاز المشروع".
صبيح الهاشمي، يشير الى أنهم تحدثوا مع المسؤولين في الحكومة بهذا الأمر "وأوضحنا لهم التأثيرات السلبية والخسائر والانتكاسات التي يتعرض لها رجال الاعمال جراء فرق سعر صرف الدولار الأميركي أمام الدينار العراقي.
تقرير صادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية ومقره العاصمة البريطانية لندن سبق أن حذر من أن محاولات البنك المركزي العراقي لمنع تهريب الدولار باءت بالفشل، إذ يستمر سعر الدينار بالتراجع أمام الدولار، مما يفاقم من معاناة العراقيين ويرفع أسعار السلع.
وأشار التقرير إلى أن النظام المصرفي العراقي وبدلاً من أن يكون مسهماً في تطوير الاقتصاد العراقي أصبح عائقاً كبيراً أمام النمو أو جذب الاستثمارات، فضلاً عن أنه أصبح رديفاً أساسياً لشبكات تهريب وغسل الأموال، فهناك عدد كبير من المصارف التي تعود لشخصيات مقربة من سياسيين وأحزاب وميليشيات مسلحة تسهم بشكل كبير في تهريب الدولار وتمويل عمليات التجارة الخارجية مع دول الجوار مقابل الحصول على عمولات ودعم سياسي.
ويقدر التقرير بأن ثلثي مبيعات البنك المركزي العراقي في ما يعرف بـ"نافذة بيع العملة" التي تتراوح عند مستويات 250 مليون دولار يومياً لم تستفد منها السوق العراقية على مدى العقدين الماضيين، مما أدى إلى خسارة البلاد مبالغ مالية لا تقل عن 400 مليار دولار.
ولم يستبعد التقرير البريطاني أن تتسبب عمليات تهريب الدولار في عزل وحظر مزيد من المصارف العراقية لأن بعضاً منها يسهم في خرق العقوبات الدولية، مشيراً إلى أن قرارات الخزانة الأميركية الأخيرة بفرض حظر على عدد من المصارف العراقية وإلزام ما تبقى الامتثال لمنصة مراقبة حركة الأموال الإلكترونية ما هو إلا بداية لخطوات أشد وأعمق وأكثر إيلاماً.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً