عبد الله سلام – رووداو – بغداد
مازالت محافظة الأنبار تدفع ثمن أهميتها الجيوسياسية وهويتها الاجتماعية، لما تمثله من أهمية اقتصادية في ميزان الاقتصاد العراقي بشكل عام، تلك الرقعة الجغرافية التي تعد أكبر محافظات العراق مساحة، حيث تشكل ما يعادل ثلث مساحة البلاد، وتبلغ مساحتها 138.500 كيلومتر مربع، وعدد سكانها يفوق المليوني نسمة، وفقاً لآخر الأرقام.
ثقل تتمتع به، كان من المفترض أن ينعم على أهلها برخاء وحياة كريمة، لا أن تتحول إلى ساحة صراع داخلي وإقليمي، يكلف قاطنيها سنوات من النزوح وآلاف الضحايا بين قتلى وجرحى ومختفين قسرياً، ومدن مدمرة بأكملها إثر الاقتتال، منذ لحظة إعلانها معقلاً لمقاومة الاحتلال الأميركي عام 2003، وإلى انتهائها حلبة صراع طائفي، قبل وبعد سيطرة تنظيم داعش عليها عام 2014.
ثروات ودمار
تحتوي الأنبار على موارد اقتصادية كبيرة أسهمت في رفع مستويات العراق بشكل كبير، حيث تمتلك 2.5 مليون شجرة نخيل، وأراض زراعية شاسعة، فضلا عن معادن ذهبية كبيرة وموارد نفطية، إذ تحتل التصنيف الرابع عالمياً من حيث أكبر احتياطي للفوسفات ونحو 53 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى الذهب والحديد واليورانيوم والكبريت والفضة والنفط، والنفط الصخري.
جدير بالذكر، أن هذه المدينة الغنية مازالت تعيش واقعاً لا يختلف عن غيرها من المحافظات العراقية، إن لم تكن ضمن أسوأها من حيث الخدمات السيئة والفساد، لتترك سؤالاً شاهداً، عما يؤخرها من النهوض بالواقع المعماري والاستقرار المعيشي، وتحولها إلى منطقة جذب استثماري، يوازي مثيلاتها في العالم أو المنطقة وجوارها على أقل تقدير، لاسيما مع تمثيلها السياسي الكبير داخل نظام الحكم العراقي.
"السبب في عدم استثمارها، هو نفس سبب عدم استثمار جميع الموارد في العراق، وذلك لأن الحكومة تمتلك كل شيء، ولديها شركات لاحتكار كل شيء من هذه المناجم والمعادن، بالمقابل هي لا تستطيع إدارتها، ومن أجل استثمارها يجب تغيير المنهج وخروج الحكومة العراقية من المشهد الحالي"، كما يقول عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية عبد الله الخربيط عن محافظة الأنبار، ويشير إلى أن "خروج الدولة من المشهد الحالي وحسر دورها سيفتح مجالاً للقطاع الخاص في استثمار أمواله".
"الحل بالأقلمة"
ويضيف لشبكة رووداو اليوم السبت (7 آب 2021) أن "في العراق ثروة نقدية وذهب بكميات كبيرة لكن العراقيين لا يستثمرون سوى في العقارات وفي حدود مناطق سكناهم، وبالمقابل أيضا لا يوجد أي شيء للمواطن العراقي ليستثمره، ويوظف فيه امواله داخل العراق، بدل أن تنمو أو تضيع تحت يد مستثمرين في الخارج كما سمعنا في كثير من القصص".
ويعتقد الخربيط أن "لمحافظة الأنبار مستقبلاً مزدهراً، وإذا في يوم من الأيام تم الوصول إلى إقليم اقتصادي، أو إقليم فدرالي بحيث يبعد المحافظة عن البيروقراطية في بغداد، وهذا سيجعل المستقبل زاهر جداً، وهذا ممكن أيضاً ربما، في حين تفتك العقلية الاشتراكية المتبعة في بغداد، وتسمح لجميع المحافظات في النهوض، وهذا حاليا مستبعد بناء على أن مؤسساتنا في الأساس اشتراكية، وللوصول إلى ذلك الازدهار، يجب اعادة بناء مؤسسات جديدة تسمح بالنهوض".
تدافع سياسي وأمن اقتصادي
بدوره، يقول المستشار الإعلامي لمحافظ الأنبار باسم الأنباري لشبكة رووداو الاعلامية اليوم السبت (7 آب 2021) إنه "لا شك هناك قصور حكومي من قبل الحكومة الاتحادية يحول دون تحول محافظة الأنبار إلى منطقة جذب استثماري رغم ما تحتويه من ثروات كبيرة، وبدورنا نحن كحكومة محلية طالبنا كثيراً بضرورة استثمار هذه الموارد، التي من الممكن أن تصب في صالح عجلة الاقتصاد العراقي".
الأنباري أشار إلى "وجود أكبر منجم للفوسفات في قضاء القائم التابع للمحافظة، ويعد أكبر منجم في الشرق الأوسط، لكنه قد تدمر إبان المعارك ضد تنضيم داعش، ورغم المناشدات الكثير حول ضرورة إعماره، لكن الحكومة الاتحادية لم تتحرك"، لافتا إلى أن "الفساد أيضا له دور بتعطيل الأنبار عن تحولها إلى منطقة جذب استثماري، فضلا عن دور التدافع السياسي داخل المحافظة، لاسيما وأن هناك بعض السياسيين الذين يسعون إلى عرقلة النهوض ولبث رسائل سلبية تجاه دور الحكومة المحلية".
من جانب آخر، يقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش لشبكة رووداو الاعلامية اليوم السبت (7 آب 2021)، إن "الأنبار من المحافظات التي تمتاز بمساحة شاسعة، وكذلك بامتلاك كثير من الثروات، إضافة إلى أنها طريق الحجيج البري، بالتالي يجب أن تمتاز بصبغة اقتصادية، من حيث إقامة مصانع الزجاج والكبريت والفوسفات، وكذلك استثمار الغاز، فضلاً عن كثير من المشاريع الستراتيجية التي يمكن اقامتها من خلال استثمار طريق الحج، لكن المحافظة تحتاج الى خطة اقتصادية أمنية، فما زالت كثير من التهديدات تحيط بالمحافظة وتجعلها غير مناسبة للاستثمار".
ويضف الحنتوش أن "ما تعانيه الأنبار من عدم توفر خطة اقتصادية هو أمر يطغى على كل مدن العراق، باستثناء بغداد على أقل تقدير، علما أن المدن الاقتصادية والاستثمارية عادة ما نجد تلك الصفة التي تمتاز بها تجعلها مستقرة، وهذا على العكس مما نراه في الأنبار وذلك لعد استثمارها".
يشار إلى أن عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية مازن عبد المنعم الفيلي، قال لشبكة رووداو الإعلامية يوم الاربعاء (4 آب 2021) إنه "لا يخفى ان البيئة الاستثمارية في العراق هي بيئة طاردة للاستثمارات وغير جاذبة بالدرجة الاولى، والاستثمار ورؤوس الاموال تحتاج لبيئة آمنة، وما نلاحظه ان هناك الكثير من المعوقات الامنية التي تؤثر بشكل او آخر على الاستثمار، وهذا ينعكس على المستثمر الذي لا يخاطر برأس ماله في ظل وضع امني هش".
واضاف الفيلي أن "من المعوقات التي تؤثر على الاستثمار هو القطاع المصرفي الذي يفتقد للحداثة والتطور، فهو قطاع قديم، فضلا عن الفساد المالي والاداري المستشري في مؤسسات الدولة ومنذ فترة طويلة"، منوهاً الى ان "عدم وضع الرجل المناسب بالمكان المناسب يعد من اكبر المشاكل التي يعاني من قطاع الاستثمار".
الفيلي اشار الى ان "وضع المحاصصة زاد الطينة بلةً، فكل جهة وكل طرف يفكر بمصلحته الخاصة، وبالتالي انعكس هذا على المشاريع الاستثمارية في تعطلها وتلكؤها، وان اجتماع كل هذه الظروف يؤدي الى تراجع وتخلف الاستثمار في العراق".
ومن الاسباب الاخرى التي اشار اليها عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، في تلكؤ الكثير من المشاريع، ان "سبب احالتها ليست بالطريقة المثلى، فالمستثمر الصادق النظيف دائماً ما يصطدم بالسماسرة الذين يرتبطون بالجهات السياسية التي تستحوذ على المشاريع الاستثمارية"، مردفاً أن "القوانين المتعلقة بالاستثمار ايضا، تعد جزءاً في تعطيل الاستثمار".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً